وضع داكن
16-09-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 009 أ - اسم الله الستير 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

  الستِّير اسم من أسماء الله الحسنى:


أيها الإخوة الأكارم؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم الستّير، وقد يدور على ألسنة الناس اسم الستّار، واسم الستّار لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة، أما الذي ورد اسم الستّير، فقد ورد هذا الاسم في السنة، ولم يرد في القرآن مقروناً باسم الحَيِي، وقد يكون الاسم الحقيقي في هذا الموضوع الستير، وليس الستار.
هذا الاسم ورد مطلقاً مُنَوّناً، مراد به العلمية، دالاً على كمال الوصفية، وفي الحديث الشريف الصحيح

(( عَنْ يَعْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِنّ اللهَ عزّ وَجَلّ حَلِيمٌ حَيي سِتّيرٌ، يُحِبّ الحَيَاءَ والسّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمُ فَلْيَسْتتِرْ. ))

[ صحيح النسائي ]

وفي سنن البيهقي عَنْ يَعْلَى بن أمية:

(( عن ابن عباس رضي الله عنه: إن الله ستير يحب الستر.))

[ إرواء الغليل: صحيح  ]

الله عز وجل يقول:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

ولابد من وقفة عند كلمة: ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾ أي تقرّبوا إلى الله بالتخلق بالكمالات الإلهية، يمكن أن تتقرب إلى الرحيم بأن تكون رحيماً، ويمكن أن تتقرب إلى العدل بأن تكون مُنصِفاً، ويمكن أن تتقرب إلى الستّير بأن تكون ستّيراً.
 

الإنسان بين طبع الفضائح وتكليف الستر:


لابد من التنويه إلى أن طبع الإنسان يقتضي الفضيحة، الطبع، يستمتع في أن يذكر فضائح الناس، وأن يكشف عوراتهم، وأن يتندر بسقوطهم، والله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)﴾

[ سورة النور ]

أيها الإخوة؛ الإنسان معه طبع، ومعه تكليف، الطبع يتناقض مع التكليف، طبعه يقتضي أن يبقى نائماً، مسترخياً، غارقاً في نوم لذيذ، والتكليف يقتضي أن يستيقظ ليصلي الفجر في جماعة،

(( عَن جُنْدَب بْن عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.))

[ صحيح مسلم ]

ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح،

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا. ))

[ متفق عليه ]

إذاً الطبع يقتضي أن أبقى نائماً، والتكليف يأمرني أن أستيقظ، والطبع يقتضي أن آخذ المال، والتكليف يأمرني أن أُنفق المال، الطبع يقتضي أن أخوض في فضائح الناس، والتكليف يأمرني أن أستر، الستر يحتاج إلى إرادة، إلى قوة إرادة، معك قصة ممتعة جداً تثير الحاضرين، يتلهفون إليك، تشرئب أعناقهم إليك، لكنك مؤمن، والمؤمن ستّير، يسكت، فلذلك هذا الذي يمشي مع طبعه، يسترسل مع طبعه نقول له:

(( عن عبدالله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَن أنظَرَ مُعسِرًا أو وضعَ لهُ وقاهُ اللهُ مِن فَيْحِ جهنَّمَ، ألا إنَّ عملَ الجنَّةِ حَزنٌ بِرَبوةٍ ثلاثًا ألا إنَّ عملَ النَّارِ سَهلٌ بسَهوةٍ، والسَّعيدُ مَن وُقيَ الفِتنَ، وما مِن جرعةٍ أحبَّ إلى اللهِ من جَرعةِ غَيظٍ يكظِمُها عبدٌ ما كظَمها عبدٌ للَّهِ إلَّا ملأَ جوفَه إيمانًا. ))

[ ابن كثير المصدر تفسير القرآن العظيم، حديث حسن،   ]

أن يتمشى الإنسان مع طبعه قضية سهلة جداً، يسترخي، أيّ شيء يعرفه يتكلم به:

(( عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ))

[ صحيح مسلم ]

هناك إنسان أي شيء وصل إلى أذنه ينشره، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمنا أن إنساناً يحدثك بحديث، ولم يقل لك: هذا الحديث أمانة إطلاقاً، لكن سمع خطوة نعال وراءه فالتفت قلقاً، فالتفاتته القلقة تعني أن هذا الحديث بالأمانة، ما قال لك شيئاً، لكن رأيته قد أصابه قلق حينما سمع وقْع خطوات وراءه،

(( فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ. ))

[ أبو داود: له شاهد ]

الطبع في الإنسان يقتضي أن تنشر فضائح الناس، لذلك أعظم ما عند المؤمنين أنهم مجتمع ستّير، وأحقر ما في مجتمع الكفر أنه مجتمع فضائحي، أساسه الفضائح، والآن الإعلام أساسه الفضائح.
 

الفضائح إمّا مالية أو جنسية:


بالمناسبة لو تتبعت فضائح أهل الدنيا من آدم إلى يوم القيامة لا تزيد الفضائح عن موضوعين، فضيحة مالية، وفضيحة جنسية، وأنت حينما تُحَصّن نفسك في موضوع المال وفي موضوع الجنس تكن في حصن حصين، وفي حرز حريز، لذلك أيها الإخوة؛ الحديث الشريف: ((إِنّ اللهَ عزّ وَجَلّ حَلِيمٌ حَيي سِتّيرٌ، يُحِبّ الحَيَاءَ والسّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمُ فَلْيَسْتتِرْ)) والحديث الآخر: ((إن الله ستير يحب الستر)) أختك حدثتك عن مشكلة بينها وبين زوجها، والمجلس بالأمانة فضحتها، قلت لأختها الثانية، والثالثة، والرابعة، ولأخواتها، ولأخيها، فإذا مشكلتها مع زوجها بين كل الناس، هذا ليس من صفات المؤمن، أذكركم بأن الإنسان يمكن أن يتقرب إلى الله بكمال مشتق من كمال الله، الله ستّير، فالمؤمن يجب أن يكون ستّيراً.
 

معنى الستِّير:


أولاً: الستّير في اللغة على وزن فعّيل، وهذه الصيغة من صيغ المبالغة، أي يستر مليون فضيحة، ويستر أكبر فضيحة، صِيغ المبالغة تأتي في الكم والنوع، الله غفّار صيغة مبالغة، يغفر أكبر ذنب، ويغفر مليار ذنب، كماً ونوعاً، الستّير على وزن فعّيل، من صيغ المبالغة، ومعنى ستر الشيء أخفاه.
لكن كملاحظة فرق بين السِّتر، والسَّتر، السَّتر مصدر، سَتَر يستر ستراً، أما السِّتر اسم، هذه القماشة التي توضع على النافذة اسمها سِتر، فرق بين الاسم وبين المصدر، المصدر يدل على حدث، تماماً كشقَّ يشُقّ، الآن هذه العملية اسمها شَق، أما هذا الخط اسمه شِق، فالله عز وجل يستر عباده.
أولاً: الستّير الذي من شأنه حبُ السّتْر والصون والحياء، وأساساً الله عز وجل جعل الإنسان بخصيصة، أن سرك لا يطّلع عليه أحد، لا صديق، ولا قريب، ولا زوجة، ولا مَلك، لذلك أعجب العجب ممن ستره الله عز وجل وهو يفضح نفسه، هذا يشيع بين الشباب والشابات بعد الزواج، تُحَدّثه عن ماضيها، مَن سألكِ عن هذا؟ نوع من الحمق، فإذا شكّ في ماضيها وقع النفور، أو يحدثها عن علاقاته السابقة، حينما يبتعد الإنسان عن الله يسوقه الشيطان دون أن يشعر، الله عز وجل سترك.
حدثني أخ قال لي: إنسان صالح أباح لي بعضُ أصدقائه أنه زنى في وقت مضى، قال لي: والله مضى على هذه القصة ثلاثون عاماً، وكلما نظرت إليه تذكرت أنه زنى، الإنسان لا يغفر، فإذا وقع من إنسان زلة واللهُ ستره ليس له حق أن يفضح نفسه، ليس عندنا في الإسلام ما يسمى بالبوح، أن تقف أمام رجل الدين وتبوح له بكل أخطائك، هذا شيء ليس وارداً عندنا إطلاقاً، الله ستّير، ما دام سترك يجب أن تستر نفسك، ما من داع أبداً أن تبوح بأخطاء صدرت منك لأيّ إنسان، إذاً الستّير هو الذي مِن شأنه حبّ الستر والصون والحياء.
  تروي الكتب قصة رمزية أن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام استسقى ربه، فقال الله له: يا موسى، إن فيكم عاصياً، فلن تنزل المطر، إن فيكم عاصياً، فقال: من كان يعصي الله فليغادرنا، ما غادره أحد، وبعد حين نزلت الأمطار كأفواه القرب، قال: يا رب، مَن هذا الذي كان يعصيك؟ قال: عجبتُ لك يا موسى أستره عاصياً وأفضحه تائباً؟!
من تاب الله عليه وستره ينبغي ألا يفضح نفسه إطلاقاً، حتى لو كان عليك ذمة في الجاهلية، وتبت إلى الله، ولابد من أن تُؤدى هذه الذمة لصاحبها، يمكن أن تُرسلها له بحوالة بريدية، من دون أن تفضح نفسك، أن تقول له: كنت عندك مرة، واختلست هذا المبلغ منك من الطاولة أبداً، حتى لو كان عليك حق لابد من أن يؤدى، يمكن أن تؤدي هذا الحق من دون أن تفضح نفسك، لأن الله ستّير، أسبغ عليك ستره، لا تفضح نفسك.
الآن الستّير يأتي بمعنى آخر، معنى المنع والابتعاد عن الشيء،

(( فقد ورد في الحديث الصحيح أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ. ))

[ متفق عليه ]

مَن يصدق أنه إذا ربّى بنتاً أو بنتين، أحسن تربيتهما، ربّاهما على الصلاح والحياء، والورع والتقوى، ثم اختار لهما زوجين صالحين من المؤمنين، ومات له الجنة؟! يكفي أن تربي بنتين، وفي بعض الروايات بنتاً واحدة، يكفي أن تربي بنتاً، أن ترعاها، أن تؤدبها بأدب الإسلام، أن تُحَجبها، أن تختار لها زوجاً مؤمناً، يكفي هذا العمل لتكون في الجنة، إذاً الستر هنا بمعنى البُعد، أي تربية هذه البنت تربية صالحة تبعدك عن النار.
 

الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق:


إخواننا الكرام؛ من البيت هناك مئات الطرق إلى الله، من البيت، من الطريق هناك مئات الطرق إلى الله، من عملك هناك مئات الطرق إلى الله، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، هل هناك بيت لا يوجد فيه بنات؟ هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، يقول سيدنا سعد بن أبي وقاص: ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، ومعنى رجل في الكتاب والسنة لا تعني أنه ذكر، تعني أنه بطل.

﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)﴾

[ سورة النور ]

كلمة رجال في القرآن لا تعني أنهم ذكور، تعني أنهم أبطال،  قال: ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، واحد من عامة المؤمنين، ما هذه الثلاثة؟! يقول: ما سِرتُ في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها، معنى ذلك أن الجنازة لها قول، القول قد يكون بلسان المقال، أو بلسان الحال.
ورد في بعض الآثار أن روح الميت ترفرف فوق النعش تقول: يا أهلي يا ولدي، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرُم، فأنفقته في حله، وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة عليّ، قال: ما سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها. لذلك إذا مشى الإنسان في جنازة هذا الذي في النعش انقضى أجله، وخُتم عمله، سيحاسب عن كل شيء.

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾

[ سورة الحجر ]

كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت.

والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر      والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر

[ صالح بن محمد بن عبد الله ]

* * *

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته          يوماً على آلة حدباء محمول

فإذا حملت إلى القبــور جنــازة          فاعلم بأنـك بعدهــا محمـول

[ كعب بن زهير ]

* * *

لذلك قالوا: أندم الناسِ عالِمٌ دخل الناس بعلمه الجنة، ودخل هو بعلمه النار، ما طبق علمه، وأندم الناسِ غني دخل ورثته بماله الجنة، ورثوه حلالاً، أنفقوه في طاعة الله، فدخلوا بمال أبيهم الجنة، ودخل هو بماله النار، لأنه كسبه من طرق متعددة لا ترضي الله عز وجل، فلذلك المعنى الدقيق: ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، ما سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها.
الآن يمشي في الجنازة يتحدث عن الصفقات، والبيت الفلاني، والمحل الفلاني، والحفلة الفلانية، قال له: هل حضرتها؟ كانت رائعة! وهو يمشي في جنازة، ما سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها، ولا صليت صلاة فشُغِلت نفسي بغيرها حتى أقضيها.

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾

[ سورة المؤمنون ]

بطل، بالجنازة بطل، وبالصلاة بطل، الثالثة موطن الشاهد: وما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى.
بالتعبير الدارج هناك أناس لا يقبضون الدين، حديث شريف صحيح قال لك: إذا ربيت هذه البنت، وأحسنت أخلاقها، وحجبتها، ودللتها على الله، واخترت لها زوجاً مؤمناً فلك الجنة، عمل يكفي لدخول الجنة.
 أيها الإخوة؛ ((مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ)) الستّير سبحانه وتعالى يُحب الستر، ويُبغض القبائح، ويأمر بستر العورات، ويُبغض الفضائح، يستر العيوب على عباده، وإن كانوا بها مجاهرين، ويغفر الذنوب مهما عظُمت، طالما كان عباده موحِّدين.
 

قصة مناسبة لموضوع الستر:


أنا ليس من عادتي أن أروي قصصاً مبنية على منامات، لكن هناك قصة مؤثرة جداً، أن أحد خطباء دمشق-والقصة من خمسين سنة تقريباً-رأى في المنام رسول الله، وتأثر تأثراً بالغاً لهذه الرؤيا،

(( وقد ورد عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي. ))

[ صحيح البخاري ]

هذا الخطيب رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال له: قل: لجارك فلان-جاره بائع متواضع جداً، إلى جانب المسجد-قل لجارك فلان: إنه رفيقي في الجنة، هذا الخطيب تألم ألماً شديداً، البشارة لي أم له؟ لجاره، إنسان متواضع، من عامة الناس، طرق بابه، دخل إلى بيته، رحب به، قال له: لك عندي بشارة من رسول الله، ولن أُعلِمك إياها إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك؟ امتنع، فلما ألح عليه، قال له: والله لن أنقلها إلى مسامعك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك، امتنع، فلما ألح عليه، قال له: والله لن أُنقلها إلى مسامعك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك، قال له: والله أنا خطبت امرأة وتزوجتها، وفي الشهر الخامس كانت حاملاً في الشهر التاسع، أي الحمل ليس منه، قال له: زلت قدمها، قال له: بإمكاني أن أفضحها، بإمكاني أن أُطلقها، بإمكاني أن أسحقها، لكن أردت أن أجعلها تتوب على يدي، جئت لها بولّادة، وولدت في الليل، وحملت الطفل الصغير-الذي ليس منه- تحت عباءتي، ودخل إلى جامع في السنجقدار، دخل المسجد بعد أن نوى الإمام فريضة الفجر، وضع الغلام وراء الباب، والتحق بالمصلين، ولم يره أحد، فلما انتهت الصلاة تحلّق الناس حول الغلام، دهشوا، فجاء هو، وكأنه لا يعلم ما الخبر، قال: ما الخبر؟! قالوا: تعال انظر، قال: أنا أكفله، أعطوني إياه، فأخذه أمام أهل الحي على أنه لقيط، وهو تولّى تربيته، وردّه إلى أمه، وتابت على يديه، الله عز وجل قال:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)﴾

[ سورة النحل ]

العدل أن تطلقها، وأن تسحقها، وأن تركلها بقدمك، لكن الله أمرك بالإحسان، فأنت إذا فعلت هذا أنقذتها من الفضيحة، وأنقذتها من الضياع، فما كل قضية تُحَلّ بالعدل، تُحلّ آلاف القضايا بالإحسان، ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ لا تكن فضّاحاً، كن ستّيراً.
لذلك الله عز وجل ستّير، يُحب كل ستّير، فتخلق بهذا الكمال الإلهي، وتقرّب إلى الله بهذا الكمال الإلهي، ولا تكن فضّاحاً، فلذلك المجتمع فضّاح، أي ما من قصة يرويها إنسان إلا بعد أيام بين كل الناس، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام وصف المرأة المؤمنة بأنها ستّيرة، وأما التي تخرج من بيتها تشتكي على زوجها فهي فضّاحة، لا ينظر الله إلى امرأة تشتكي على زوجها، يحب الله المرأة الستّيرة، المرأة الستّيرة امرأة مؤمنة.
 

المجالس بالأمانة:


أيها الإخوة الكرام؛ أنا حينما أتخلق بهذا الاسم، وبهذا الكمال أتقرب إلى الله، ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ نحن بعلاقاتنا الاجتماعية الغيبة هي أحد أسباب الفضائح، أحدهم قال للآخر: لقد اغتبتني، قال له: من أنت حتى أغتابك؟ لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي، لأنهما أولى بحسناتي منك، فالقضية تنطلق من غيبة وتنتشر.
فهذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً عند إخوتنا الكرام في أن الله سبحانه وتعالى من أسمائه الحسنى أنه ستّير، ويمكن أن تتقرب إلى الله بهذا الكمال، وهو أن تستر، طبعاً الكلام له قواعد شرعية في موضوع الفتوى، في موضوع إنكار المنكر، يوجد حالات، أما الأصل أنك ينبغي أن تستر، والمجالس بالأمانة.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور